أن شرف المكان إنما هو بشرف المكين ، وكدليل على ذلك -
نقتبسه من عصر صدر الاسلام - وهو ما جرى على آل البيت عليهم السلام وعموم المسلمين
بعد استشهاد أسد الله وأسد رسوله حمزة عليه السلام عم النبي صلى الله عليه وآله ،
فقد أمر النبي صلى الله عليه وآله نساء المسلمين بالنياحة عليه ، ثم بلغ أمر
المسلمين في تكريم حمزة عليه السلام بعد استشهاده وعلى مرأى من النبي صلى الله عليه
وآله وعلمه أن عملوا التسابيح من تربته ، وكان أول من عمل ذلك سيدة نساء العالمين
فاطمة الزهراء عليها السلام ، ثم اقتدى بها المسلمون ، حتى بقيت الحالة هكذا إلى أن
استشهد الإمام الحسين عليه السلام فعدل بالامر إلى تربته الشريفة ، وقد جاء
التصريح بهذا عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إن فاطمة بنت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم كانت سبحتها من خيط صوف مفتل ، معقود عليه عدد التكبيرات ،
وكانت عليها السلام تديرها بيدها تكبر وتسبح ، حتى قتل حمزة بن عبد المطلب ، فاستعملت
تربته ، وعملت التسابيح فاستعملها الناس ، فلما قتل الحسين عليه السلام عدل بالامر
إليه ،
فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية ( 1 ) .
وأما عن أهل البيت عليهم السلام فقد ثبت سجودهم لله على تربة السبط الزكي الطاهر ،
فإن أول من بادر إلى استخدام التربة الحسينية والسجود عليها هو ابنه الإمام علي
بن الحسين زين العابدين عليه السلام ( 2 ) ، فبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام
كانت الإمامة لابنه علي عليه السلام فهو الذي قام بدفن أباه الشهيد بكربلاء ، فبعد
أن دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره ، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف ،
فشد تلك التربة في صرة وعمل منها سجادة ومسبحة .
ولما رجع الإمام السجاد عليه السلام هو وأهل بيته إلى المدينة ، صار يتبرك بتلك
التربة ويسجد عليها ، فأول من صلى على هذه التربة واستعملها هو الإمام زين العابدين
عليه السلام ( 3 ) ثم تلاه ولده الإمام محمد الباقر عليه السلام فبالغ في حث
أصحابه عليها ونشر فضائلها وبركاتها ، ثم زاد على ذلك ولده الإمام جعفر الصادق عليه
السلام فإنه نوه بها لشيعته ، كما وقد التزم الإمام عليه السلام ولازم السجود
عليها بنفسه ( 4 ) .
فقد كان للإمام الصادق عليه السلام خريطة من ديباج صفراء فيها من تراب أبي
عبد الله الحسين عليه السلام ، وكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه لله
عز وجل ، كما أن المروي عنه عليه السلام أنه كان لا يسجد إلا على تربة الحسين
عليه السلام تذللا لله واستكانة إليه ، ولم تزل الأئمة من أولاده تحرك العواطف
وتحفز الهمم وتوفر الدواعي إلى السجود عليها والالتزام بها وبيان تضاعف الأجر والثواب
في التبرك والمواظبة عليها حتى التزمت الشيعة إلى اليوم هذا الالتزام مع
عظيم الاهتمام ، ولم يمض على زمن الإمام الصادق عليه السلام قرن واحد حتى صارت
الشيعة تضعها ألواحا وتضعها في جيوبها كما هو المتعارف اليوم ( 1 ) .
وفي جوابات الإمام المهدي ( عج ) لمحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، وقد سأله عن
السجود على لوح من طين القبر الشريف - أي التربة الحسينية - فأجاب عليه السلام :
يجوز ذلك وفيه الفضل .